التكتل الأكبر على التوالي للإخوان في الخارج وتشكيل لجنة إدارة الأزمة يتمثل في قطر وتركيا إذ تم اختيار ثلاثة ممثلين للجماعة من الدوحة واثنين من أنقرة وواحد من السودان وآخر من ماليزيا وأربعة قياديين من داخل مصر.
الاثنين 2019/10/28من غير المتوقع أن تقدم أفرع الجماعة في المنطقة على استضافة الإخوان المصريين في دولهم
بقلم: محمد الفقي
خلال عام 2015، بدأت الأزمة الداخلية بالجماعة تظهر إلى العلن بشكل تدريجي، إذ كانت الأزمة تتعلق برفض بعض القيادات داخل مصر وشباب الجماعة، لتحركات القيادات بالخارج في ظل عدم القدرة على حلحلة الموقف لصالح الإخوان، على الرغم من تحركاتهم، وهنا ظهر التململ من تكرار دعوات التظاهر وما يتبعها من القبض على المشاركين فيها، بموجب القانون المصري الذي يحظر التظاهر دون ترخيص مسبق.
وما كان من قيادات الإخوان بالخارج إلاّ محاولة احتواء الموقف والإعلان عن تشكيل لجنة لإدارة الأزمة، يظهر من خلال تأسيسها في أبريل (نيسان) 2015 أن التكتل الأكبر على التوالي للإخوان في الخارج يتمثل في قطر وتركيا؛ إذ تم اختيار ثلاثة ممثلين للجماعة من الدوحة، واثنين من أنقرة، وواحد من السودان، وآخر من ماليزيا، و(4) قيادات من داخل مصر[1].
وتطورت الخلافات بين جناحين في الجماعة: الأول يتزعمه ما يعرف بـ”الحرس القديم” المتمثل في محمود عزت وإبراهيم منير نائبي مرشد الجماعة، ومحمود حسين الأمين العام، في مواجهة تيار يعرف بـ”الحرس الجديد” الذي يتزعمه محمد كمال قبل مقتله في مواجهات مع قوات الأمن، وكان أبرز مثال على هذه الخلافات ما أعلنه المتحدث باسم الجناح الأخير في بيان لضرورة الثأر من الحكم على مرسي بالإعدام في مايو (أيار) 2015[2].
بدأ مسار أكثر عنفا من قبل مجموعة محمد كمال، بشكل منظم عن تلك المجموعات التي ظهرت في 2014، وهي تحولات لم تأت من فراغ، في ظل تصاعد الخطابات العنيفة عند قيادات الإخوان، لتتشكل مجموعات مثل حسم ولواء الثورة[3]، وهي مجموعات تنتمي لهذا الجناح الذي قرر انتهاج العنف.
في أواخر عام 2015، كانت جبهة محمود عزت وإبراهيم منير أكثر تشددا في التعامل مع نهج كمال وإدارة الجماعة في الداخل، في ظل ظهور عدم استجابة المكاتب الإدارية بمصر لقيادات الخارج المحسوبين على جبهة “الحرس القديم”، وتحويل كمال مسار التمويلات لرعاية أسر المحبوسين إلى إدارة ملف العنف داخل مصر[4].
في النهاية ومع قطع التمويلات عن جبهة كمال، وملاحقة الأجهزة الأمنية لتلك العناصر، بدأ بعضهم في الفرار إلى السودان، مع ظهور اتجاه جديد لهذه المجموعات للتحالف مع مجموعات تتبع “السلفية الجهادية” مثل تنظيم “القاعدة”[5].
لتبدأ مرحلة جديدة من أزمة إدارة ملف الفارين والهاربين، لأن أغلب الذين تسللوا إلى السودان من عناصر مجموعات عنيفة ومتهمين في قضايا، وبالتالي فإن تحركهم وتوزيعهم خارج السودان أمر ينطوي على صعوبة، في ظل تحديث مصر المتواصل لنشرات الإنتربول لأكثر المطلوبين أمنيا لديها، وبلغ إجمالي عدد المطلوبين من عناصر الإخوان (535) متهما مدرجاً منهم (358) إرهابيا على قوائم النشرات الحمراء للإنتربول الدولي[6].
مع انسداد أفق حل الأزمة بين الجناحين، بدأت مجموعة “الحرس القديم” في ممارسة ضغوط على المنتمين لجناح كمال بالسودان، والتلويح بطردهم من مساكنهم، وربطوا دعمه واستمرار التمويل لهم بالبيعة لعزت[7].
وعلى خلفية أزمة “البيعة” لعزت، وأمام رفض الشباب التابعين لجناح كمال هذا الأمر، بدأ بعضهم في البحث عن عمل لتوفير احتياجاته الأساسية، فضلا عن التفكير في عملية السفر من السودان باتجاه ماليزيا على سبيل المثال[8].
ثمة عامل مهم كان محددا لمرحلة جديدة من إدارة ملف الهاربين من مصر، وهي مقتل محمد كمال، الذي يعتبر الزعيم الروحي لمجموعات العنف الناشئة في مصر، في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وبعد هذا التاريخ بنحو (6) أشهر، وتحديدا في أبريل (نيسان) 2017، نفذت مجموعة “الحرس القديم” التهديدات وأقدمت على طرد بعض الشباب من مساكن الإيواء التابعة للجماعة هناك[9].
ممكن استخلاص الآتي:
أولا: إن جناح “الحرس الجديد” ويمثله محمد كمال، أحدث أزمتين لجماعة الإخوان، الأولى: تفريغ مصر من العناصر النشطة التي كانت فاعلة في تنظيم المظاهرات؛ إذ توقفت مظاهرات الإخوان بشكل شبه تام، الثانية: إحداث انقسام في بنية الجماعة بما هدد تماسكها تماماً، في ظل ضغوط على الحرس القديم لعدم تحقيق أي نتائج تذكر لإعادة مرسي للحكم. وترى بعض الآراء أن الحرس القديم يرفض هامش المناورة الكبير الذي تمتعت به مجموعة “الحرس الجديد”، بما يشكل تهديدا لتماسك الجماعة، وبالتالي فإن هناك ضرورة لإحكام القبضة[10].
ثانيا: يمثل مقتل محمد كمال ضربة كبيرة للشباب المؤيدين لجناح “الحرس الجديد”، إذ إن طرد أنصار كمال من السودان لم يحدث إلا بعد مقتله، في محاولة لإحكام “الحرس القديم” قبضته على الجماعة مرة أخرى، وإجبار الشباب على الولاء والطاعة لهذا الجناح.
ثالثا: إن أغلب الموجودين في السودان بداية من 2015 على وجه التحديد مرورا بـعام 2016، من المحسوبين على “الحرس الجديد”، ويمثلون أبرز أزمات الجماعة، خاصة وأنهم باتوا يكنون عداءً واضحاً لـ”الحرس القديم”، ودائما ما يوجهون انتقادات لجناح عزت، ليس فقط بسبب سوء إدارة الجماعة، ولكن أيضا بفعل الرفاهية التي يعيشون فيها، في حين يعاني الشباب وتركوهم بلا دعم[11].
رابعا: ظهور اتجاه جديد لدى الشباب الهاربين من مصر، يرتبط بـ”التحرك الفردي” وبدأ هذا الاتجاه يبرز خلال عام 2017، من خلال البحث عن ملاذات بديلة لهم، وكانت الأولوية ماليزيا، ولكن ظهرت بعض الدول الأخرى أيضا مثل كوريا الجنوبية، وهذا كان واضحا في واقعة محمد عبدالحفيظ، الذي رحلته تركيا إلى مصر، إذ لم يُجرِ عملية تنسيق مسبقة مع قيادات الجماعة هناك[12].
خامسا: خلال عام 2017 ظهرت أولى بوادر التفكير في العودة إلى مصر وتسليم الشباب أنفسهم للسلطات المصرية، مقابل الحصول على أحكام مخففة أو التفاوض على صفقة، وهو اتجاه بدأ ينتشر في أوساط شباب الإخوان والمتحالفين معهم حتى في تركيا مع تصاعد الأزمات هناك أيضا، وتبلورت أكثر خلال عام 2018، وهو ما صرح به القيادي الإخواني السابق مختار نوح[13].
سادسا: إن الأزمة التي تواجهها الجماعة الآن في هذا الملف، هي إدارة أزمات المجموعات التي بالفعل خارج مصر، وليس مجموعات تخرج من مصر خلال العامين الماضيين، وعلى سبيل المثال حل أزمات العالقين في السودان، أو من يرغب في الخروج باتجاه دول أخرى، وهنا بدأت تظهر كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وجيبوتي.
لجوء الإخوان إلى دول الأساسية
أولا:
أولا:
مقاطعة قطر في يونيو (حزيران) 2017: يمثل قرار دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع الدوحة، ضربة كبيرة للإخوان، ولأن قرار المقاطعة وما ترتب عليه من سلسلة قرارات تجاه الدوحة، يصعب معه عدم تنازل قطر عن دعم الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية بالمنطقة، وبالتالي فإن قطر لم تعد أحد الملاذات الآمنة إذا ما قررت الرضوخ للرباعي العربي، وبالتالي تكرار سيناريو 2014، في ظل معاناتها الاقتصادية جراء إغلاق الحدود معها[14].
ثانيا:
ثالثا:
رابعا:
خامسا:
سادسا:
ثانيا:
سطوة جناح “الحرس القديم”: باتت مجموعة محمود عزت هي المتحكمة الآن في كل شيء بالنسبة للجماعة داخل مصر وخارجها، ولها تواصل مع قيادات الدول التي يوجد فيها الإخوان الهاربون، وبالتالي فإن بقاء الشباب من أنصار جناح محمد كمال في دول تحت سيطرة “الحرس القديم”، عملية صعبة في ظل تخوفات من اعتقالهم في هذه الدول، أو تسليمهم لمصر، وعدم تدخل القيادات لحمايتهم، وهو ما حدث مع عبدالرحمن أبو العلا، الذي كاد أن يرحل إلى مصر فور وصوله إلى تركيا، وهو ما يعني أن الجماعة لا ترغب في وجود أنصار هذا الجناح في الملاذات الأساسية لها[15].
ثالثا:
صعوبة الأوضاع في تركيا: بعدما أصبحت مركزا لقيادة الإخوان خارج مصر، لم تعد تركيا آمنة تماما خاصة خلال الفترة الماضية، ليس بفعل الأوضاع السيئة للإخوان هناك فقط، وإنما لاتجاه تركيا لتسليم بعض العناصر الإخوانية والتي تنتمي لجناح “الحرس الجديد”، إذ كانت على وشك تسليم (12) مصريا في شهر مارس (آذار) الماضي[16]، كما أن تركيا لم تعد جاذبة لعناصر الإخوان بفعل تردي الأوضاع المعيشية للشباب هناك وعدم توفير فرص عمل لهم، وهو ما كشف عن جزء منه القيادي الإخواني جمال حشمت متحدثا عن صعوبة توافر عمل لنجليه[17].
رابعا:
صعوبة السفر إلى أوروبا: ليس بإمكان قيادات وعناصر الإخوان التي خرجت من مصر بشكل غير شرعي التوجه إلى الدول الأوروبية، لأنها مرصودة وفقا لنشرات الإنتربول، مثلما حدث مع احتجاز محمد محسوب في إيطاليا[18] قبل إطلاق سراحه، كما أن أوروبا بدأت في مراجعة أنشطة جماعة الإخوان، فضلا عن زيادة تكلفة الإقامة والمعيشة في الدول الأوروبية التي لا يقدر عليها إلا القيادات الكبيرة في التنظيم.
خامسا:
السودان وتصفية الأزمة مع مصر: باتت السودان تضيق بعناصر الإخوان الموجودين فيها، خاصة من جناح “الحرس الجديد”، وألقت القبض على المئات منهم -بحسب بعض التقديرات- لعلاقاتهم بحركات العنف في مصر مثل حركة حسم[19]، كما أنها وبفعل التقارب مع النظام المصري الحالي، والذي بدأ في أواخر عام 2017 بهدف حسم قضايا مشتركة مثل سد النهضة وأزمة حلايب وشلاتين، بدأت الخرطوم في اتخاذ إجراءات لتهدئة الأوضاع كمطالبة الإخوان بمغادرة أراضيها -بحسب تقارير صحافية- في فبراير (شباط) العام المنصرم[20].
سادسا:
ماليزيا تسلم عناصر إخوانية: على الرغم من اعتبار ماليزيا محطة انطلاقة إخوانية خلال عام 2017 بعد الأزمات التي لحقت بعناصر الإخوان هناك وطردهم من مساكنهم، فإن ماليزيا باتت الآن من ضمن الملاذات الأساسية غير الآمنة، نظرا لتسليم السلطات هناك (5) مصريين إلى مصر، لتورطهم في التعاون مع جماعة أنصار الشريعة وإيواء عناصر إرهابية[21]، وهو ما ينذر بإمكانية تكرار هذا خلال الفترة المقبلة.
سابعا:
موقف أفرع الإخوان بالمنطقة العربية من استضافة العناصر المصرية: من غير المتوقع أن تقدم أفرع الجماعة في المنطقة على استضافة الإخوان في دولهم، خاصة وأنهم يعانون أوضاعاً صعبة وانتقادات كثيرة، مثل تونس، إذ تواجه حركة النهضة اتهامات بتشكيل جهاز اغتيالات لعدد من الشخصيات[22].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق