أبرز المتضررين من الانسحاب الأميركي وتداعياته الإقليمية هي تلك الأطراف التي احتضنت “هدف الانفصال الكردي،” طمعاً في إعادة تقسيم سوريا، وعلى رأسهم “إسرائيل” وذراعها من اللوبي المؤثر، إيباك، وقادة الكونغرس من الحزبين الذين سارعوا للتنديد بالرئيس الأميركي لتخليه عن “الحلفاء،” في ظل معادلات مواجهة دولية ضارية “مع روسيا والصين” تستدعي حشد أكبر عدد من الحلفاء.
القوى الأميركية النافذة في صنع القرار، ومنها المؤسسات الإعلامية المتعددة، أعربت عن عدم ارتياحها ورفضها لقرار الانسحاب محملة الرئيس ترامب المسؤولية التامة لما سينجم عنه من تداعيات. بيد أن المعطيات المتوفرة تناقض سردية تفرد الرئيس ترامب بالقرار.
التقى وزير الخارجية مايك بومبيو بوزير الخارجية الأسبق هنري كيسسنجر، يوم 28 أيلول الماضي، مع ملاحظة تجاهل وسائل الإعلام لتلك الحادثة، معرباً عن اغتباطه للقاء الأخير “والامتنان الدائم لمحادثته.”
لم يفصح بومبيو عبر تغريدته في ذاك اليوم عما دار في الحديث، لكن المرجح أن سوريا والانسحاب الأميركي منها كان على رأس جدول الأعمال، عززه تزامن قرار الرئيس بالانسحاب بعد بضعة أيام من اللقاء المشار إليه.
سياسات كيسنجر، في مجملها، تستند الى التركيز على الاحتفاظ بموازين القوى في الإطار الأوسع لصالح واشنطن، عند اتخاذ قرارات حاسمة تجنبها أي اهتزازات نتيجة صراعات محدودة.
وعليه فإن الانسحاب الأميركي من سوريا، أو ذاك الجزء منها، وفق نظرية كيسنجر، يؤدي لإنشاء ميزان قوى جديد في الإقليم لمواجهة أفضل مع عدوها التقليدي – روسيا.
تبدو مراهنة كسينجر على تشكل وضع إقليمي تكون فيه كل من تركيا وايران وروسيا في حالات تنافس تعطل التفاهمات فيما بينهم خاصة بعد ان ينسحب الثقل الأميركي من المسرح الإقليمي وخاصة سوريا.
مراكز القرار الأميركي، ممثلة بقادة الحزبين والمؤسسات الاستخباراتية والعسكرية، أعادت إلى الواجهة مصير “القنابل النووية الأميركية في قاعدة انجرليك التركية،” التي لا يمكن إطلاقها إلا عبر طائرات مقاتلة مخصصة، نظراً لتصاميمها القديمة منذ بدء الحرب الباردة، والتي تخطت ها الولايات المتحدة منذئذ بإطلاقها عبر الغواصات والصواريخ المجنحة.
تحتفظ واشنطن بنحو 50 قنبلة نووية في أقبيتها المخصصة في القاعدة التركية، ولا زالت باقية هناك على الرغم من خشية بعض السياسيين الأميركيين باستخدامها كرهينة ووسيلة ضغط من قبل الرئيس التركي للحصول على تنازلات أميركية مُرضية.
الرئيس الأميركي ترامب أعرب عن ارتياحه لسلامة الترسانة النووية الأميركية في تركيا، بتصريح علني يوم 16 أكتوبر الجاري، مما اعتبرته أركان المؤسسة الحاكمة بأنه “كشف عن معلومات سرية جداً،” كان ينبغي المحافظة على الضبابية المفضلة في السردية الرسمية.
حلف الناتو، من جانبه، أعرب عن ازدواجية اغتباطه وخيبة أمله في آن من قرار الرئيس ترامب والهجوم التركي على مواقع المسلحين الكرد، وذلك على خلفية دعم الاتحاد الأوروبي بمجمله للمجموعات الكردية المنتشرة بكثافة في مختلف دوله، يعززها خلافاته المستعصية مع عضو الحلف تركيا.
علاوة على ذلك، فالحلف منخرط بقوة في التعامل مع قرار بريطانيا الانسحاب من دول الاتحاد الأوروبي وعدم الحسم في مسألة عضوية إيرلندا الشمالية مع لندن، وليس لديه ما يضيفه في هذه المرحلة من استقلالية في القرار عن الموقف الأميركي العام.
يشار إلى أن دول الحلف وقفت بقوة إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دعماً لمساعيه “التوسط بين دمشق وتل أبيب،” عام 2008، لحل ملف هضبة الجولان. دمشق لم تبدِ حماساً لذاك التوجه نظراً لتوجسها من أهداف الجار الشمالي للعب دور محوري في الإقليم ولأطماعه في الأراضي والثروات الطبيعية في سوريا.
كما يندرج تنظيم داعش، أو ما سمح لبقائه حياً، ضمن الأطراف المتضررة من الانسحاب الأميركي بخسارته لساحة تحرك وميدان مترامي الأطراف، على الرغم من توارد معلومات ميدانية متعددة تفيد بنقل القوات الجوية الأميركية لعناصر كبيرة من معتقلي التنظيم خارج منطقة “شرقي وادي الفرات” السورية، إلى قواعد أميركية خلفية في العراق.
على الطرف المقابل فإن القوى المستفيدة، مباشرة وغير مباشرة، من الانكفاء الأميركي هي “حلف المقاومة .. وتعدد القطبية الدولية،” سوريا وإيران والمقاومة المسلحة بالتحالف مع روسيا، ومن ضمنها الصين.
الأطراف المستفيدة من الانسحاب الأميركي أوجزتها فورين بوليسي، المشار اليها، بالقول “المستفيد الأكبر من المصائب الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط ليست روسيا أو إيران أو (الرئيس) الأسد – بل الصين.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق