أنقرة تناور بتقديم تأويل خاص للاتفاق مع واشنطن بهدف استئناف التوغل العسكري.
السبت 2019/10/19
أنقرة - أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، تصريحات استعراضية يوحي من خلالها بأن بلاده حققت شروطها من خلال اتفاق إطلاق النار الذي فرضته واشنطن على أنقرة تحت التهديد بعقوبات مدمرة للاقتصاد التركي.
وتحاول التصريحات أن تخفي الصدمة الكبيرة للرئيس التركي الذي كان يخطط لفرض منطقة عازلة على الأراضي السورية بقوة السلاح، وترهيب الأكراد وإرسال إشارات قوية للدول المتدخلة في الملف السوري بأن تركيا لاعب رئيسي ومحدد في أي حل مستقبلي، وهو ما سيجعله في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران وسوريا.
وقال أردوغان في تصريحات للصحافيين في إسطنبول الجمعة إن من ميزات الاتفاق مع الأميركيين أن “قواتنا الأمنية لن تغادر المنطقة، وأن تركيا والولايات المتحدة ستكونان على اتصال دائم، واللقاءات بين وفود بلدينا ستستمر”.
وتابع “حصلنا على وعود من الجانب الأميركي بأن تكون هذه المرحلة تحت قيادة تركيا وبتعاون كامل بين الجانبين”.
وذكر الرئيس التركي أن مهلة الـ120 ساعة المتفق عليها مع الولايات المتحدة تشمل مغادرة القوات الكردية المنطقة الآمنة.
في المقابل، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض إن تطبيق وقف إطلاق النار سيستغرق وقتا بعد رصد نيران بنادق آلية وقصف ودخان على الحدود السورية التركية غداة إعلان كبار المسؤولين الأميركيين عن التوصل إلى هدنة.
وردا على سؤال عن القتال في المنطقة رغم اتفاق وقف إطلاق النار قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني جريشام في مقابلة مع فوكس نيوز إن الوفد الأميركي “حقق النجاح في ما يتعلق بالتوصل إلى هدنة لكن الأمر سيستغرق وقتا”.
وفي محاولة للقفز على هذه الحقائق مر الرئيس التركي إلى خلق مساحة جديدة من الجدل من خلال تقديم تأويل خاص لوقف إطلاق النار والتلويح باستئناف العمليات دون أن يترك لواشنطن الوقت الكافي لرعاية انسحاب القوات الكردية من المنطقة المتفق عليها.
ويسعى أردوغان لإظهار أن العلاقة بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جيدة رغم موجة النقد الواسعة لدى المسؤولين في الولايات المتحدة للاتفاق وشروطه، وتهديد الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس بالمضي في العقوبات.
ويعتقد متابعون للشأن التركي أن أردوغان يحاول من خلال الكلام الاستعراضي عن “النجاحات” العسكرية التعويض عن خسارته المعنوية في الهجوم الذي عجز خلاله الجيش التركي ولمدة أسبوع عن تحقيق تقدم نوعي على حساب الأكراد. كما فشل الرئيس التركي في إظهار نفسه كغاز عثماني قادر على تحدي الضغوط الدولية، وتنفيذ خطوته الأولى في إعادة صياغة الخرائط الإقليمية باسترداد “المجد العثماني” القديم.
ويشير محللون إلى أن وقف إطلاق النار دون الحد من قدرات قوات سوريا الديمقراطية سيثير ردود فعل داخلية غاضبة ضد الرئيس التركي الذي وعد بأن يقضي على الجماعات الكردية المسلحة، لكنه اضطر إلى القبول بوقف إطلاق النار دون تحقيق “النصر” الذي وعد به وضغط به لإسكات المعارضين الأتراك لدخول المغامرة العسكرية شمال شرق سوريا.
ويقول المحلل في معهد الأمن وسياسة التنمية غاريث جنكينز إنه “سيتعيّن على تركيا في مرحلة ما أن توقف عملياتها العسكرية من دون تحقيق الأهداف التي حدّدتها”.
ويرى جنكينز أن الاتفاق قد لا يضع حدا للعملية العسكرية التركية في سوريا لأن الجيش التركي سيواصل استهداف المقاتلين الأكراد في العراق وسوريا، وهو ما يعني التخلي عن الاتفاق بعد استثماره في محاولة تحسين صورة أردوغان بالداخل التي اهتزت بسبب خيارات سياسية واقتصادية زادت من معاناة الأتراك.
وقتل 14 مدنيا الجمعة بقصف القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال شرق سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وسيلتقي الرئيس التركي خلال مهلة الأيام الخمسة نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الثلاثاء المقبل.
ويقول المحلل إيجي سيكين في مركز “آي.اتش.أس ماركيت” إن “المدى الجغرافي للعملية التركية سيتحدد على الأرجح خلال لقاء أردوغان وبوتين”، مضيفا أن “بوتين سيكون صاحب القرار”.
ويعتقد مراقبون أن الاتفاق لن يصمد طويلا بسبب الغرور التركي واستعجال وضع اليد على أراض سورية. كما أن الاعتراف الدولي بهذا الاتفاق سيكون بمثابة تشريع لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، الأمر الذي دفع إلى ردود فعل دولية معارضة لاتفاق تحت القصف العشوائي ضد المدنيين والبنى التحتية.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن وقف الأعمال الحربية التركية الذي تم الإعلان عنه في شمال سوريا ليس هدنة حقيقية، ودعا أنقرة إلى إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا على الفور.
وقال توسك للصحافيين في بروكسل “وقف إطلاق النار المزعوم ليس ما كنا نتوقعه. إنه ليس وقفا للنار في حقيقة الأمر بل هو طلب استسلام من الأكراد”.
إقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق