اقتحمت أجهزة الكمبيوتر عالم الألعاب الأكثر شعبية حول العالم واحدة تلو الأخرى، مثل لعبة الداما، وسكرابل، وغو.
والآن انضمت لعبة البوكر إلى هذه القائمة من الألعاب، رغم أن اعتماد اللاعبين فيها عادة ما يكون على الخداع لإنزال الهزيمة بخصومهم.
وفي الثاني عشر من يوليو/تموز الماضي، ولأول مرة في التاريخ، تمكّنت برمجية مخصصة للعب البوكر، يُطلق عليها اسم "بلوريباس" من إنزال الهزيمة بعدد من أبطال اللعبة مجتمعين في وقت واحد في أحد أكثر أشكال لعبة البوكر شعبية: "تكساس هولدم غير المحدودة".
ربما كان ذلك خبرا غير سار للاعبي البوكر على الإنترنت، لكن هل يمكن أن تستفيد منه البشرية على أصعدة أخرى؟
ما وجه صعوبة لعبة البوكر على الحاسوب؟
على مدى عقود، كانت لعبة البوكر على درجة من التعقيد البالغ يتعذر معها على الآلة تعلّمها.
وبخلاف لعبة الشطرنغ، التي يمكن فيها رؤية كل القطع والخطوات، تعتبر لعبة البوكر "ناقصة المعلومات"، وفي ظل الأوراق المخفية لا يتسنَّ للاعبين سوى معرفة جزئية بالحالة الراهنة للعب.
وتشتهر لعبة البوكر بما تنطوي عليه من خداع، أو محاولة اللاعب إيهام اللاعبين الآخرين بأن في جعبته أوراق لعبٍ أفضل أو أسوأ.
ويتعذر في ظل هذه العوامل على الذكاء الاصطناعي وضْع استراتيجية للفوز باللعبة.
تحطم الأسطورة
لكن أسطورة هيمنة البشر على لعبة البوكر قد تحطمت.
نعم، واستطاعت تحقيق ذلك برمجية "بلوريباس"، التي طورها نعوم براون، الباحث في وحدة الذكاء الاصطناعي لدى فيسبوك، وتووماس ساندولم أستاذ علوم الحاسب في جامعة كارنيغي ميلون.
وتغلبت البرمجية على 13 لاعبَ بوكر محترف كان بينهم دارين إلياس، الحائز على بطولة العالم أربع مرات في لعبة البوكر.
استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي
لكن لماذا يشتغل الباحثون على آلات تستطيع التغلب على البشر؟
بإيجاز، يعتقد العلماء أن الذكاء الاصطناعي المستخدم في لعبة الشطرنغ أو البوكر يمكن الاستفادة منه في القيام بمهام أكثر تعقيدا.
وقال براون لبي بي سي: "نستخدم البوكر كمعيار لحل مشاكل أكبر تتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي بحيث يمكن التعامل مع معلومات مخفية".
"ولكي يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي ويتفاعل مع البشر ومع تقنيات ذكاء اصطناعي أخرى، يتطلب الأمر قدرة على استيعاب فكرة أن ثمة مشاركين آخرين ربما يرون العالم بشكل مختلف عما يبدو عليه وأن بإمكان هؤلاء الوصول إلى معلومات مستترة".
ويرى براون أن "لعبة البوكر تمثل محاكاة ممتازة لهذا النوع من التحدي".
عندما طورت شركة ديب مايند المملوكة لـغوغل برمجية ألفاغو، باتت هذه البرمجية عام 2015 أول أداة تهزم لاعبا محترفا في لعبة غو. ورأى مطورو البرمجية أن بالإمكان الاستفادة منها في مهام متعلقة بالكيماء والهندسة.
وعلى نفس المنوال، يعتقد كل من براون وساندولم أن فكرة برمجية بلوريباس في حل المشكلات يمكن الاستعانة بها في تطبيقات مستقبلية لأداء مهام على أصعدة تتعلق بالمفاوضات المالية والمركبات ذاتية القيادة، وكل المواقف التي تتضمن أطرافا متعددة ومعلومات مفقودة.
وقال ساندولم: "معظم مواقف العالم الحقيقي يشوبها نقص المعلومات تماما كما الألعاب".
كيف تتعلم البرمجيات
بعيدا عن أن يكون الأمر من قبيل أمنيات العلماء، قام كل من براون وساندولم قبل عامين بتطوير برمجية "ليبراتوس"، التي استطاعت سحْق المنافسين البشريين في المباريات الفردية.
ورأى خبراء أن الاستراتيجية التي تفوز بها البرمجية في تلك المباريات يمكن استخدامها في محاكاة عسكرية.
وكشفت تقارير نشرتها مجلة وايرد الأمريكية عن إبرام شركة استراتيجي روبوت المتخصصة في الذكاء الاصطناعي -والتي أسسها ساندولم- اتفاقية قيمتها عشرة ملايين دولار مع الجيش الأمريكي في أغسطس/آب 2018.
ويقول الباحث آدم كوخارسكي: "يمكننا تعلُّم الكثير من البرمجيات فيما يتعلق باتخاذ القرارات. وتستطيع أفضل البرمجيات أن تتعلم عبر مضاهاة النتائج والتساؤل: "ماذا لو اتخذت قرارا مغايرا؟"
ويضيف: "بالخسارة أمام البرمجيات، يمكن للاعب البشري أن يتعلم الكثير من طريقتها في اللعب".
خداع إلكتروني
لكن كيف يتسنى لبرمجية بلوريباس أن تخادع؟
حسنا، لقد استطاع كل من براون وساندولم أن يجعلا البرمجية تتقن لعبة البوكر عن طريق وضْعها في مليارات المباريات ضد نفسها ومراجعة استراتيجيتها.
وباتت القرارات التي أدت إلى الفوز أكثر استخداما في مباريات المستقبل.
إحدى هذه القرارات تمثلت في إيهام اللاعب المنافس بأن أوراق اللعب التي في يده ضعيفة ومن ثمّ دفْع هذا المنافس إلى الرهان على قيمة مضاعفة، وهو المرادف تماما لمعنى الخداع.
يقول براون: "يظن الناس أن الخداع سمة بشرية ليس في وسع الآلة القيام بها".
"لكن الحقيقة التي رأيناها أن في وسع الآلة أن تقوم بالخداع وبمقدرة تفوق مقدرة الإنسان"
ويضيف الباحث: "على أن برمجية بلوريباس لا ترى في العملية خداعا أو خيانة للثقة، فلا يتعدى الأمر أن يكون خطوة تدرّ أكبر قدر من المكاسب في ظلّ ضَعف أوراق اللعب التي في اليد".
وتلفت برمجية بلوريباس الأنظار بسبب قلة تكلفتها؛ فبحسب باحثي جامعة كارنيغي ميلون، لا تتطلب تقنية الذكاء الاصطناعي لكي تعمل سوى 150 دولارا، قيمة موارد الحوسبة السحابية.
في المقابل، تعتمد شركة ديب مايند على حواسب عملاقة تشتمل على أكثر من خمسة آلاف من برامج المعالجة المتخصصة، بتكلفة تقدر بملايين الدولارات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق